من ثلاثية زمان الجدات
صرة جدتي
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
كلما دار ت رحى الزمان مرّ طيف الازمان المندثرة وهي تنثر شذاها العطر بين الثنايا ٠٠ وكأني أسير في الدروب العتيقة المعطرة شقوق جدرانها برائحة المحبة والطيبه تتناثر بين أطرافها زهور الياس والقداح المبلل بنثار المطر٠٠٠ ويكلل هامات أبوابها الياسمين المبجل وهو يرسم تيجانا” للظلال المحلقة في السماء ٠٠٠ تتفتح في قلبي أزاهير الليل أهزوجة نجوى تهمس بالسمر ، حينما كانت تفرّ الاجساد من سخطها اليومي لتدور به على المواقد , تستلهم الخرافة أشكالاً من أحلامٍ مستحيله في حكاية ,فيسرج البراق لون أمنية تحولت إلى آلهة مجنحةمرفرفة برشاقة كالعنقاء الأسطورية, متلاشية في عناقيد نجميةوراء السماوات، تركتْ آثار خطواتها على الغيم .
أجنحة الفراشة إحترقت بدبيب الانوار المتسللة الى الأسطح , تدور بعطرها بين النسائم البكرية تتبع أساريب الزهر , كما إعتادت التحويم فوق غابة الظلال الظليلة ، عبر إخضرار الأشجار الوارفة .
عبر الحقول الشاسعة والأودية الكبرى المكللة بالزهر البريّ والزنابق الخرافية , إعتاد السكون التسلل عبر المنحدرات العاليه والشلالات , يسقي عالماً شديد البؤس للرغبه العارمة بالحياة , لايسأل الانسان البسيط في قريتي البعيدة التي غطت في ذاكرة الاوقات كحلمٍ منسيّ ، عن معنى لحياته ، أنه يعيش كما تعيش النخلة المحملة بالثمر تنتظر من يقطفها لتعود وتتمايل بحرية مع الريح , بعد أن تخلصت من عبأ الخصب , لتنشد موسماً جديداً محملاً بحلاوة الانتظار لأنقلاب الفصول , يتأمل من في القرية الفجر وهو يشرق بأنفاس الحياة كل يوم , ليثمل العالم بنداوة النشوة وعبير الورد , لايدرك الانسان البسيط في قريتي كم سيبقى ، ومتى يغادر ، ولتبقى الجنه والجحيم منتظرتان حتى النهايه .الاقدار مكتوبة , كما هي الكروم المغطاة تحت العرائش , ترتسم ألوانها ومذاقاتها بكن القدرة ل تحيي الربيع بمذاق الخصب …
يلوح لي طيف جدتي بوجهها القمري وشناشيل العصابة ورسم الوشم في طرف الذقن ومكان الخزامه وعطر المسك الذي يلوح من فوطتها ٠٠ ترسم أخيلتي ألوانا
منمنمة لورود تناثرت في ثنايا فراش جدتي وزخارف خططت حيطان غرفتها تمتد حتى البساط الذي يملأ باحة الغرفة بألوانه الشعشاعة وخيوطه الصوفية المغمسه برائحة المسك وعطر دلة القهوه بجانب أقداح الشاي وموقد الفحم ٠
لطالما تراقصت أخيلتي وهي ترسم في حجرة جدتي فوق فضاءآت من نور فتيات البالية وهي تتمايل على موسيقى الاوركسترا بين رهط الحضور في صالات القصور للنبلاء ٠ وتنتقل بين مغارات مسكونة بهمهمة الانين في عوالم الغجر والسحره وعفاريت الجان ٠ كانت الصور تتقافز مع كل تمثال زجاجي وضعته جدتي في (الجامخانه) الزجاجيه التي كانت تحفظ فيها الهدايا التي جلبتها معها من القدس والسيدة زينب وبيت الله الحرام ٠
( مسواك ) المسجد النبوي ومصحف الحرم في صندوق فضي مزجج وسلة من خوص مذهب تحوي تمرات من بستان فاطمه الزهراء ، وصندوق خشبي محفور بزهور ورموز لا أفهمها يحوي كتابين قال لي أخي الاكبر مرة وهو يبتسم حين سألته عنهما هما كتاب التوراة والانجيل وفوقهما القرآن الكريم ٠٠ وسألته لماذا جدتي تحتفظ بكتاب اليهود والمسيح مع كتاب القرآن ، ۡقال لان الجدات لاتحفظ دينها بين طيات الكتب ولكن تحفظه بين طيات قلبها فلا فرق عندها مادام يحمل معنى المحبة في اسم الله٠
وكان هناك ركن في خزانة جدتي لتماثيل زجاجيه إشترتها من رحلاتها كتذكار تماثيل أميرات بفساتين بيضاء ووجة حليبي وشفاه كرزيه ٠ وتماثيل لعرائس البحر وتمثال الغجرية السمراء وهي ترتدي عصابة مزكرشة وعيون سوداء حاده النظره كنت كلما نظرت اليها
كأنما نظر ت في عمق روحي وهي تتلو تعويذة سحريه!! وفي ركن الغرفة الشرقي كان يقبع صندوق خشبي منقوش مزخرف بفصوص من حجر وخرز ملون كنت أعد حبات الخرز وأمرر يدي عليها وأسرح في سحرها الذي يموج بين أناملي٠
كانت جدتي تفتح صندوقها المعطر وتفوح منه روائح زكية كنسيم الجنة
عطر المسك المغمس بدهن الورد الذي كانت تعطر بيه سجادة الصلاة وبعض فوط الحج مع وحبات الهال التي كانت تحفظها في صره وكنت أجلس الى جانبها كي أرى ماتحفظه داخل الصندوق العجيب شاهدت تارة صرة من الستان الابيض المطرز بزهور الخرز الازرق
فيها بعض من ثياب عرسها ومخدة رضيعها الاول وصرة أقراطها وحليها ومسبحة جدي الثمينه وبعض خواتمه وصندوق الدخان الفضي قلت لها ذات مره أعشق هذه الصرة جدتي
قالت
(هي صرة من رحيق أمي أجمع فيها ذكريات أيامي )
الى جدتي التي سيعود العمر معها مكللاً بهالة بيضاء من ربيع الأوقات ، يحن قلبي ، ويحن قلبي لوطن تعمره روائح الطيبة وتلفة الوان العافية وتزينه
روح المحبة وجمعة الاهل في أيام آخر الاسبوع ونحتمي تحت أستاره في ظُلل الامان ك صرة جدتي ٠
سما سامي بغدادي