رؤية انطباعية في قصيدة الشاعر :  علي أحمد أبو رفيع بقلم الاديبة والشاعرة :  د. سما سامي بغدادي

رؤية انطباعية في قصيدة الشاعر :  علي أحمد أبو رفيع
بقلم الاديبة والشاعرة :  د. سما سامي بغدادي

الشاعرة والاديبة : د. Sama Baghdady
انتِ شرحتِ واسهبتِ في البيان والتبيان باسلوب وﻻ ارقى يحيث يخيل للقارئ انه امام واقع يحصل امامه ويرى قراءتك مرسومة ومنقوشة بايحاءات تدليلية..
في انسياب شهدك تسكننا الروابي ومواسم الخصب
فتسرع الرؤى بكينونة جمالها لتنحني أمام جمرة حسّك ووهيج ذائقتك ..
في فضاء كينونتك ، يُعرّش الحرف بتلافيفه الموحية وتضاعيفه الطيفيّة مكوّنًا تجلّيات رؤيوية تحتكر الجمال المفقود فتستميلنا مراياك المتصادمة بالبروق فنحبّ ظلّنا الظامئ إلى رفيفك المباغت … جميل نقدك وربّي
……………………………………
القصيدة

……   …………
غارق بهواكِ
ــــــــــــــــــ
مذ كان قلبكِ زهرة في كمِّها
أضحتْ يدي بحنانها ترعاكِ

والقلب يهواكِ يشم عبيركِ
يحنو عليكِ من نسيم هواكِ

لما تعانقنا بروحينا أرى
روحي وروحك ملككِ وفداك

تتناغم الآهات عند عناقنا
والقلب بعد هتافكِ لباكِ

أنا من رشفتُ السحر بين جفونك
من كأس حبكِ بوركت يمناكِ

لا تمنعيني رشفةً من ثغركِ
فالشهد ما جادت به شفتاكِ

أتشكِ في حبي لكِ وتعلقي؟
أو ليس قلبي جهرة ناداكِ؟

فكيف يعترف القتيل بحبه؟
وقاتلي يا مهجتي عيناكِ!

من قبل قلبكِ ذاب قلبي حينما
خلتيه صدكِ عندما غشَّاكِ

فالقلب مفتون بعطركِ دائماً
يمسي ويصبح لا يحب سواكِ

قلبي التَقَى جُل الورود بطيبها
لكن فليس يشده إلاكِ

لا تحسبيني مازحا أو لاعبا
كلا فإني غارق بهواكِ
٢٠٢٥/١٠/٢٥
بقلم : علي أحمد أبورفيع
(ابن الباديه أبورفيع)
………….


مقدمة

لطالما  يبهرنا الشاعر المبدع   د. علي احمد ابو رفيع  بهذا الفيض الوجداني  الملهم
حيث تتجلّى في نصوصه ملامحُ الأصالة العربية في أنقى صورها، ويتوهّج فيها وهجُ الكلمة الكلاسيكية الموشّاة بعطر الوجدان ودفء المناجاة. إنّ أسلوبه يحفظ للقصيدة العربية هيبتها الإيقاعية وجلالها اللغوي، ويمنحها في الوقت نفسه روحًا حديثة تنبض بالحب العذريّ، وتستعيد صفاء الإنسان في فجره الأول.

يكتب الشاعر بروحٍ تنتمي إلى مدارس العشق الصافي، حيث يلتقي الحسّ الإنساني بالوجد الصوفي، فتغدو القصيدة مقامًا للتطهّر العاطفي، وفضاءً تتحد فيه الروح بالمحبوب. إنّ معانيه تنبثق من عمق التراث، لكنها لا تكتفي بالحنين، بل تُعيد بناء الصورة الشعرية على أسسٍ وجدانية، تُعبّر عن توق الإنسان الدائم إلى الجمال والنقاء.

في قصائده، يهبّ النسيم من عمق اللغة القديمة ليُلامس القلب الحديث، فيمتزج الشجن بالسكينة، والحنينُ بالتأمل، وتتعانق الكلمة مع المعنى كصلاةٍ تُرفع على محراب الحبّ. هو شاعرٌ يعرف كيف يجعل من الإيقاع صلاةً، ومن الصورة دعاءً، ومن الحرف نورًا يتجاوز حدود الغزل إلى مجرّةٍ من الفناء الروحي والعشق الإنساني الكوني.

بهذا الأسلوب الرفيع، يعيد الشاعر علي أحمد أبورفيع إحياء مجد القصيدة العربية، ويمنحها وهجًا وجدانيًا يربط بين النقاء الأول للذات، والتجلي الروحي للحب في أبهى معانيه.

الرؤية :

…..     ….   ……

نحن اليوم أمام قصيدة شفافة  تتجلّى فيها تجربة العشق في صورتها الكلّية، حيث يتحوّل الحب من انفعال إنساني إلى طقسٍ روحي يتجاوز المألوف، ويغدو الوجدانُ مرآةً للوجود نفسه. لا يقدّم الشاعر هنا خطابًا غزليًا تقليديًا، بل يعيد تشكيل فكرة الهوى كحالة من الفناء الوجداني، إذ يتماهى المحب في معشوقه حتى تتلاشى المسافة بين الـ«أنا» والـ«أنتِ».

منذ المطلع «مذ كان قلبك زهرة في كمّها»، يبدأ النص بتكوينٍ رمزيٍّ يشي بنشأة الجمال في فناء  النقاء، حيث يتحوّل القلب إلى زهرة واليد إلى حارسٍ لهذا الكائن المقدس ،  إننا أمام استعارة تُحيل إلى ولادة الروح  النقية وهي تتنفس  معاني الجمال الكوني والتجلي الروحي للحب العذري والارتقاء المعنوي  من خلال  فوضويات   البهاء الانساني  والروحي   ،  لا المادي  وتلك السمة تمنح النص بعدًا صوفيًّا خفيًّا، يربط بين المحبة الأرضية والصفاء الإلهي.

يتدرّج الإيقاع الشعري في منحناه الداخلي بين البوح والابتهال، حتى يبلغ ذروته في قوله:

«روحي وروحك ملكك وفداكِ»

هنا، تتجاوز العلاقة الثنائية حدود الغزل لتبلغ مقام الاتحاد، حيث تفقد الروح استقلالها، ويصبح الوجدان كائنًا واحدًا نابضًا بعشقٍ كونيٍّ، يستعيد روح ابن الفارض وجلال الدين الرومي في نظرتهما إلى الحب كجسرٍ بين الإنسان والمطلق.

كما يتجلّى في النص توظيفٌ فنيٌّ لثنائية القداسة والتجلي  الروحي  لمعاني المحبة الاصيلة ، من خلال مزج الصور الحسية بالرموز الروحية: «من كأس حبك بوركت يمناكِ» — فالكأس هنا ليست خمرًا أرضية، بل رمزٌ للمحبة التي تسكر الوعي وتفتح البصيرة. إنها لحظة إشراق يباركها العاشق، فيستبدل الخطيئة بالبركة، وتأمل المحبوب  بالقداسة والمناجاة .

في البنية الجمالية، يحافظ الشاعر على نظامٍ إيقاعيٍّ متين يُذكّر بتراث القصيدة العربية الكلاسيكية، ويُضفي علية  بلمسات وجدانية رقيقة تمنحه انسيابًا عذبًا وتوهّجًا موسيقيًا. تتكرّر الأفعال المشحونة بالعاطفة مثل يهواكِ، يحنو، يشم، يعانق، لتخلق حركة داخلية تعبّر عن انصهارٍ مستمرٍّ بين العاشق والمعشوق.

ويأتي الختام بمثابة تتويجٍ دراميٍّ للشعور الانساني :

«كلا فإني غارق بهواكِ»

فالـ«غرق» هنا ليس ضعفًا، بل خلاصًا وجوديًا، إذ يتطهّر العاشق من ذاته ويبلغ مقام الفناء في المحبوب، تمامًا كما يغرق الموج في البحر ليعود إلى أصله.

بهذه اللغة المصفّاة والصور الموحية، ترتقي القصيدة من الغزل إلى تجربة عشقٍ كونيةٍ، تُعيد تعريف العلاقة بين الحب والروح، وتؤكد أن العشق، في جوهره، هو سفرٌ نحو المطلق عبر جسدٍ من نور وكلمةٍ من حياة.

أ. سما سامي بغدادي

اكتب تعليقًا