لاتطفئ وهجك
……………….. .
في لحظاتٍ كثيرة، يبدو العالم وكأنه يُعيد تشكيل ملامحه من صلصالٍ بارد، لا دفءَ فيه ولا معنى.
نستيقظ ذات صباحٍ فنشعر أنّنا نُهدر أرواحنا في أماكن لم تعد تسمع نبضنا، ونمدّ أيدينا بالعطاء في اتجاهاتٍ تبتلع الضوء ثم تنكره.
كأننا نتعلّم القسوة ببطءٍ حين ندرك أنّ اللين الزائد يُهين الجمال الكامن فينا.حينها يصبح التنازل انطفاءً والعطاء صمتًا موجعًا
نُدرك متأخرين أنّ التنازل ليس دائمًا فضيلة، وأنّ الانحناء المتكرر يفقد الروح هيبتها ويُطفئ نورها الداخلي.
ليس خطأً أن نُحبّ بصدق، ولا أن نمنح بلا حساب،
لكنّ الخطأ أن نُغلق أعيننا عن نزفنا الداخلي،
أن نحمل الآخرين في صدورنا بينما نحن نتهاوى من التعب.
التنازل الذي يُطفئ فيك الإحساس بالجدوى ليس تضحية، بل محاولة بائسة لتجميل الألم.
وحين يستنزف العطاء آخر ما في القلب من نُبلٍ ودهشة، يصبح التوقّف نوعًا من الصلاة الصامتة، صلاةٌ تُقام على نية البقاء.
سيظنّك البعض قاسيًا حين تختار الصمت بدل المرافعة، والغياب بدل التبرير،
لكنّهم لن يروا الجراح التي صرتَ تُخفيها بحنكة الناضجين.
لن يفهموا أن نجاتك تتطلّب أحيانًا أن تُغلق الأبواب برفق، وتترك خلفها كلّ ما استهلك روحك في محاولاتٍ خاسرة.
الاستمرار لا يعني أن تظلّ في المكان ذاته،
بل أن تواصل الحياة بوعيٍ جديدٍ يحترم حدودك ويُعيد تشكيل معناك.
أن تؤمن أنّ فيك ضوءًا لا يجوز أن يُطفأ من أجل من لا يرى قيمته.
فالعطاء الحقيقي لا يُستمدّ من واجبٍ أو خوف، بل من قلبٍ ممتلئٍ بالمعنى.
وحين يجفّ المعنى، يصبح التوقّف ضرورةً مقدّسة، لا قسوة.
في كل مرة تختار فيها نفسك، لا تكن آسفًا.
الذين لم يروا قيمتك حين كنت تبذلهم من وقتك ودفئك،
لن يدركوا جمالك حين تصير لنفسك وطنًا.
تخلَّ عن التنازلات التي تُطفئك، وتمسّك بالمساحات التي تُعيدك إلى الضوء…
فمن يُحبّك حقًا، سيقبلك دون أن تُطفئ شيئًا من وهجك.
أ.سما سامي بغدادي