إضاءة نقدية إنطباعية حول نص “لعنت وداع الأحبة خِيرةً” وابعاده الوجدانية والروحية للشاعر المبدع علي أحمد أبو رفيع /بقلم د. سما سامي بغدادي
………………………………………
النص
………..
لعنت وداع الأحبة خِيرةً
________________
جاء ودنا مني الوداع معللا
وأذرفت علي الخدين مني ادمعي
وطال ومرت بي عذابات الهوى
ومر بي سقم لا ادري بليل مفزع
ماكنت أدري ان في الهجران
ألما لما كنت اسكنتهم أضلعي
مالي سبيل وما بالعمر لذة
هل بعد الرحيل يفيد توجعي
قالوا الايام هي تنسيك الهوى
ونسوا بأيام الفراق تصدعي
إن التي رحلت كانت جنتي
هل بعدكم تحلو الحياة بمرتع
اصبحت كالمسجون في حجيرة
لا شئ غير الصمت يقلق مسمعي
وهناك يلزمني وحيدا دفتري
ويجئ مطواعا اليَّ يراعي
فأخط أبيات الرحيل بأدمعي
وصحيفتي طويت على إفجاعي
لعنت وداع الأحبة خِيرةً
عنوان أبياتي وسر ضياعي
::_______٢٠٢٥/٧/١١
بقلم : علي أحمد أبورفيع
(ابن الباديه أبورفيع)
مقدمة: حول أسلوب الشاعر وخصائصه الفنية
يتميز الشاعر المبدع علي أحمد أبو رفيع بأسلوب وجداني عميق يستند إلى صدق التجربة الشعورية وتكثيف الإحساس عبر بنية شعرية تقليدية متمسكة بالأوزان والقوافي، مع حضورٍ جليٍّ لروح البادية في مفرداته وإيقاعاته. لغته تنحو نحو الصفاء، والتشبيهات لديه مؤثرة شفافة بليغة مكثفة، تستدعي صورًا مألوفة من الحياة والحنين والمفارقة. كما نلحظ في تجربته الشعرية نزعة صوفية خافتة، تظهر من خلال التماهي بين الذات والألم، بين الحب والفقد، وهي نزعة تتعزز بالموسيقى الداخلية للنصوص والتكرارات المحسوبة لجرس الحرف الشعري ، والانفعالات الصادقة التي لا تفتعل التأمل بل تنبض به.
في هذا النص تحديدًا، يظهر البعد الوجداني والروحي بشكل طاغٍ، ويتجلى التسلسل الدرامي بوضوح، بدءًا من لحظة الوداع الأولى إلى مرحلة الانهيار النفسي، ثم الانكفاء إلى العزلة والانكسار. كل ذلك يجري ضمن بناء إيقاعي رصين ويعزز التوتر والتدرج الدرامي والجرس الداخلي للنص عبر الموسيقى الخفية وتكرار المفردات الحسية المؤثرة
ويأتي هذا النص بوصفه تجربة وجدانية متدفقة، تنبض بالشجن، والحزن ، والحنين العميق ، وتتحرك بين فضاءات الفقد والذكرى والانتظار، بلغة شعرية عالية الحساسية، تزاوج بين البوح الصوفي والتعبير الإنساني الصادق في تنقلات شعرية أخاذة ذات تناغم وانسبابية تنم عن إدارة وحرفية عالية لمفردات النص وتناميه الدرامي بوركتم شاعرنا النبيل المبدع وكل التقدير لحضرتك
تحليل نقدي للنص
1 عنوان النص يتميز عنوان النص “لعنت وداع الأحبة خِيرةً” بصورة جلية واضحة ومشحونه بالعاطفة معبره عن الشعور الانساني و يشكّل جملةً مؤثرة و صادمة، حيث يخرج الشاعر من طور التأمل إلى معاني الحزن والازدراء بوصف الوداع لعنة والتسليم للقدر بأنه الخير بعينه ، ورسم لنا صورة شعرية مؤثرة تمثل كسرٍ لحالة التسليم المعتادة في أشعار الفقد. استخدام “خِيرةً” بصيغة التفضيل يُضفي طابعًا وجوديًا على النص، كأن الشاعر يرى في هذا الوداع خلاصة تجاربه وأقصى درجات الخسارة.
2. البنية الدرامية وتصاعد الألم: يتدرج النص الابداعي الشفاف في صور شعرية مؤثرة تصاعديًا في تصوير الانهيار العاطفي حيث البداية في بيتين يصفان لحظة الوداع وسقوط الدمع ، ثم يدخل الشاعر في دوامة “العذابات” و”السقم”، وهي كلمات تنتمي إلى معجم انساني وروحي ونفسي بليغ يرسّخ معاني المعاناة . كما في مقطع
في “ماكنت أدري أن في الهجران ألما”، يبدأ الانكشاف الداخلي، ويتصاعد الإحساس بالخذلان من الذات قبل الآخر.
تتوالى بعدها مشاهد التيه والانكسار، من انعدام اللذة، إلى الحبس النفسي، ثم إلى الونس الوحيد: “دفتر” و”يراع”، وهو تعبير شفاف مؤثر كلاسكي الملامح عن الكتابة كمهرب.
3. البعد الصوفي / الروحي: يحضر البعد الصوفي في تشبيهه للحبيبة بـ”الجنة”، والرحيل باللعنة، والصمت بالعقاب. كلها إشارات ذات طابع روحي وجودي، تنقل التجربة من مستوى العلاقات الإنسانية العادية إلى مستوى الكينونة والخلاء الوجودي. وفي ذلك رؤية روحية وصوفية عميقة يجعل من الذات الانسانية متأملة في معاني الشعور والكون من حولها في تهجد وايماءآت خفية لله سبحانه خالق الاقدار في هذه الدنيا .
4. الموسيقى الداخلية:
اختار الشاعر موسيقى داخلية متوازنه مؤثرة تعزز التكرار والموسيقى الداخلية للنص الشعري ، بإيقاع لمتماوج، ما يعكس التوتر العاطفي والتدريج الدرامي للنص .
وتكرار الأصوات الانسيابية يعزز الطابع الشجني المؤثر للنص.
الصور الشعرية جاءت راسخة مشحونه بالعاطفة غير جامدة، مع ميل لإبراز الألم عبر الحروف الرفيعة والنهايات المفتوحة.
5. اللغة والصور الشعرية:
اللغة واضحة وصريحة، تمتاز بعمق عاطفي أكثر من تعقيد فكري. لذا اعتمد الشاعر الرؤية الروحية والشعور الانساني الذي يعاني من الخذلان والفراق كتجربة وجدانية تؤثر في شعور المتلقي حيث ان الصور الشعرية مستمدة من مفردات الكون في انسنه للشعور تحمل النص للارتقاء بالشعور الانساني مثل (“الليل المفزع”، “المسجون في حجيرة”، “صحيفتي طويت على إفجاعي”)، وكلها تشكل لوحة شعورية متكاملة لا تخلو من التماهي بين الذات والجماد والكون في رؤية روحية عميقة .
خلاصة نقدية:
ومن هنا نجد ان قصيدة “لعنت وداع الأحبة خِيرةً” تمثل تجربة وجدانية صادقة تُعيد استثمار عناصر الشعر التقليدي — الوزن، القافية، اللغة الصافية — بصفه حداثية وابداع منفرد امتاز فيه حرف الشاعر الدكتور علي أحمد أبو رفيع لإنتاج مشهد داخلي متكامل من الألم والحنين والانكسار والشجن ورسم الشعور الانساني النقي المترف لحاله وجدانية وروحية من الحب العذري التي تعيد صياغة شعور المتلقي ليتذوق الشعر الاصيل ويعيد إتزان فطرته السليمة ويرتقي بوعي القارئ ليدرك ماهيته الروحية والانسانية . وقد تميز الشاعر علي أحمد أبو رفيع في هذا النص بـ:
1.حس تعبيري حاد
2.لغة وجدانية شفافة
3.تصعيد درامي مدروس
4.انسياب موسيقي متناغم مع الحالة الشعورية
5. إرتقاء معنوي وروحي لوعي القارئ ورسم ملامح الذات الانسانية النبيلة المترفعة والصبورة على اقدار الحياة في تجربة وجدانية فريدة بوركت اناملكم المبدعة شاعرنا المبدع ودام بهاء حرفكم المتميز وفقكم الله ورعاكم يارب .
د. سما سامي بغدادي
