التقدير الإنساني للعطاء: رؤية أخلاقية وروحية واعية
………………………………………..
حين يزهر العطاء من أعماق الروح ، ينسكب كالنور على الأرواح العطشى، ويزهر في الخفاء كما تزهر البذور في باطن الأرض دون أن تسأل من رآها. وفي رحلة الإنسان الشاقة ، يكون التقدير نسمةً خفية، تهب على القلب المُجهد فتنعشه، وتعيد لروحه ربيعها .
التقدير هو البُعد الغائب الذي لا تراه العين، لكنه يحلّق كأجنحة ملائكية فوق تفاصيل وجودنا، يربطنا بخيوط غير مرئية من المحبة، والاحترام، والاعتراف بجمال ما نبثّه في دروب الآخرين.
في هذا العالم المتسارع، حيث تمر الوجوه والأيام كظلالٍ عابرة، يبقى العطاء الصامت هو النور الحقيقي الذي لا يخبو.
هناك من يسكب عمره قطرة قطرة في حياتك، دون أن يطالب بشيء… هناك من يضمّد جراحك بكلمة، ويزرع حولك حقول الطمأنينة بصمت، ويرحل بخفة الملائكة.
التقدير وعيٌ روحي لمن يستحق أن نقف له احترامًا، ونُنصت لقلبه، و نُهديه شكرًا يتجاوز الكلمات إلى حضورٍ صادق.
حين يُرهقك الجحود، وتُطأطئ روحك من فرط الصمت بعد كل عطاء، تذكّر أن لكل زهرة نشرت عبيرها في الطريق مَن يُدرك طيبها، ولو بعد حين. فالإنسان، مهما سمت روحه، يحتاج، في لحظةٍ ما، إلى أن يشعر أن نوره قد لمس روحًا أخرى، أن جهده لم يُهدر، وأن محبته تركت أثرًا.
وفي قلب كل علاقة إنسانية حيّة، هناك جذور خفية من العطاء، تتطلب الثناء والمؤازرة لتزهر
وذلك وعي إنساني عالي ، و صلاة يرفعها القلب نحو القلب ، اعترافًا بفضله، واحتفاءً بوجوده. وهنانك عطاء متبادل توازن كوني يسير بقدرة الله عز وجل ،
فالكون لا يعمل بالمعادلات البشرية المباشرة. من أعطاك ليس بالضرورة من تُردّ له العطاء، لكن طاقة الحب والعطاء حين تُقدّر، تفتح دوائر نور تعود إليك من حيث لا تحتسب. والتقدير هو مفتاح هذه الدورة الكونية.
وأنت…
قبل أن تمضي، قبل أن تُثقل ظهرك هموم الحياة…
قف قليلًا، وابحث عن تلك الوجوه التي كانت نورًا لك في عتمة ما.
عن تلك الأيادي التي أسندتك حين تعثرت.
عن أولئك الذين أنصتوا لأنينك دون أن تحكي.
ماذا قدمت لهم؟
هل قلت لهم: “أنا أراك… أنا أقدرك… أنا ممتن لوجودك”؟
تعالَ نتعلّم معًا:
أن لا نبخل بكلمة شكرٍ صادقة،
أن لا نؤجل حضن امتنان،
أن لا نؤخر قبلة تقدير على يد أم أو جبين أب، او زوجة او زوج .
اللهم علّمنا أن نرى العطاء أينما كان، وأن نكون للمعروف أهله، وللأرواح الطيبة مرآة تعكس نورها .
علّمنا أن لا نكون من الغافلين عن نعمك المرسلة في هيئة بشر.
إ. سما سامي بغدادي