بقلم بنصغير عبد اللطيف مقاربة تحليلية لقصيدة الشاعرة ابتسام الروبي

استوقفتني كثيرا هذه القصيدة التي أتناول اليوم ,كمحب للشعر وكقارئ أو كهاو يهيم في هواه استوقفتني قصيدة الشاعرة الفنانة التشكيلية ابتسام الروبي لما وجدته فيها من رقة مشاعر مؤثر جدا ,فالشاعرة شيء شفاف رقيق شيء مرهف جدا أحاسيس في غاية اللين ,حتى أنها تراءت لي كالزجاج وأبى رجل إلا أن يكسره ,وفي الحقيقة أنا أستغرب كيف يوجد هذا النوع من البشر المتجبر الذي يدوس الورود ويسحق المشاعر ويحرق الأحاسيس ويذمر الرقة ويأتي على الحب ,والشاعرة تصف هذا المشهد العنيف برقة لغوية وحلاوة بيانية ناذرة جدا وقد أبيت إلا أن أدخل بين سطورها لأستشف هذه المشاعر وأستمتع بحلاوتها وشدني الشوق لاستكناه صورها البلاغية الرائعة وتشبيهاتها الجميلة جدا وأن أتأمل تصويرها للأحاسيس وأتشبع بجمال صورة شعرية ترسمها في آخر القصيدة بمنتهى الروعة والتأثير لتتوج تجربتها في البيان والتبيين اللغوي الشعري بصورة رسمتها بريشتها وبلغة في قمة البيان اللغوي الجميل,على أنني أقول دائما أنه ليس من الضروري أن تكون الشاعرة هي التي عاشت هذه التجربة ربما هي تصفها على لسان امرأة أخرى

(آيات يحملها وجهي من سحر بيان)

آيات مصطلح قرآني ,والآية هي الدليل والبرهان الإلاهي الذي لا برهان فوقه إنه حجاج الخالق الواحد الأحد, فكيف لمخلوق أن يأتي بحجة تتماشى مع حجة الرحمان هي تستعمل هذا المصطلح بذكاء جميل وبصيغة الجمع وتقول آيات والجمع هنا يفيد التأكيد(يحملها وجهي)هي حجج براهين قاطعة يحملها وجهها تظهر على ملامح وجهها,(من سحر بيان)البيان هنا لغة واللغة إذا تدرجت في مدارج البيان تحولت إلى سحر ,والسحر هنا هو سحر فني يهيم بالقارئ أو المستمع يسحره

(بحلاوة البيان )
إنه سحر من حلاوة البيان, اللغة هنا هي البيان نعم اللغة تصبح بيانا إذا بلغت كذلك لمستوى الحجاج ,وكذلك اللغة تسحر بحلاوتها القارئ إذا كانت شعرا رائعا جميلا

(وبصدرى وجع هب
يداعبه الشيطان!!)
وبصدري وجع أنين ألم هب كالريح ,الريح هي التي تهب إذن هو وجع شبهته الشاعرة بالريح والريح هبت يعني قوية والريح القوية مذمرة ,وتقول يداعبه الشيطان هذه الصورة قوية جدا ,ويحضرها الشيطان ,الشيطان حاضر بقوة يلاعب الريح التي هبت,وفي الحقيقة أن الشيطان حضر من شدة الصدمة على نفسها ,هو ذلك الرجل الذي لما بانت ملامحه رافقه الشيطان إذن لما بانت ملامحه بان معها الشيطان

(وصراخ مكتوم في القلبِ
كصمت الأرض)
ثم صراخ مكتوم الصراخ إذا كان مكتوما تحول إلى ألم مبرح صورة شعرية قوية جدا الصراخ إذا خرج من قفص الصدر يستريح الإنسان أما إذا كان مكتوما تحول إلى قنبلة تذمر ذلك الشخص الذي يرغب في الصراخ ويكتمه ,إنه ألم الصامتين وهو الالم المعذب جدا للإنسان هو الأشد هو الأقسى هو المذمر

(فىْ زمن العصيان!!)
في زمن العصيان ,إنه هذا الزمان الذي نعيشه بسواده بتكلساته بإكراهاته بقسوة أناسه وتجبرهم

(مخنوق جرحي)
جرحها مخنوق أنين بلا صوت ألم ساكت صامت شديد ,أستغرب من هذا التصوير الدقيق جدا للمشاعر بلغة بيانية رائعة واضحة يكفي أن نتأمل بشدة لنفهم

(يتوسد قلبا مجروحا، مبحوحا)
الجرح يضع رأسه على قلب مجروح يتوسده ,الجرح مرتاح بل ويضع رأسه على قلب مجروح ,ومبحوح لا يستطيع أن يصرخ ,منتهى الألم شيء فضيع

(يأبى النسيان)
لا تستطيع النسيان فالنسيان رفض بيان غريب دون تصنع دون تعقيد هي تبسط أحاسيسا بالغة التعقيد والقتامة,بلغة واضحة

(دعنى ، واغربْ عني
أنا لست أريدك…)
ثم تقول له دعني ,أتركني واغرب عني إبتعد لا أريد أن أرى وجهك ,أنا لا أريدك إنه رفض مؤكد.مطلق لا رجعة فيه

(حسبي أني في مِلْحفتى أدثر من غدر الأزمان)
هي تكتفي بملحفة والملحفة هنا ثوب يضعه الرهبان على أجسادهم يكتفون به عن الأثواب والأزمان تقولها بصيغة الجمع لأن الغدر موجود منذ بدأ الزمان

(لو أنكَ آخر إنسان في دنيانا
لاخترت الموت بديلا عن هذا الإنسانْ!!)
ثم تقول له لو أنك آخر إنسان يعني لو لم يكن في الدنيا رجل إلا أنت,لاخترت الموت بديلا عنك ,إنها صدمة موجعة غدر إنسان لإنسان,هي لم تعد تريده بإطلاق قطعي في الزمان والمكان

(ولعمرى..كيف فراري منكَ؟
أم كيف غدوت أراك طيوف دخان؟)
وتقول له وكيف أفر من?وأنت أصبحت.بالنسبة لي دخان يعني لا شيء بل وطيف.دخان ,لقد تحول إلى لا شيء أو إلى دخان, والدخان يتصاعد من الحريق منظر بشع و صورة شعرية غاية في الروعة

(يخنقنى خطواتك وخطاياك ، ملامحك…اسمكَ!!)
كل شيء فيك.يخنقني خطواتك.ملامحك اسمك وخطاياه ما ارتكبه من أخطاء بشعة في حقها

(فعليك تلفحت سوادا، يعزلني عن كل الألوانْ!!)
فتواجدك في حياتي جعلني ألبس السواد الشاعرة تهيئنا للمشهد الأخير وهو الأروع هي اكتفت بلبس السواد من هول الفاجعة دون بقية الألوان

(وأبى وجداني إلا أن يترنم شوقا للرهبان!!…)
وأبى وجدانها هي لا تريد ولكن وجدانها يريد هي لا ترغب ولكن وجدانها يرغب أن يترنم ويشدوا ليصبح راهبا ونحن نعلم أن الرهبان لا يتزوجون
لننظر جميعا كيف استطاعت الشاعرة ابتسام الروبي أن تتغلغل في عمق عصبي شديد التعقيد والألم دون تعقيده لغويا وبسطته للقارئ ببراعة لغوية وبيان.قاطع وبرهان شديد الوضوح قمة الروعة

بقلم بنصغير عبد اللطيف مقاربة تحليلية لقصيدة الشاعرة ابتسام الروبي

اكتب تعليقًا